مريم بوخطامين وفهد بوهندي ودينا جوني (دبي، الفجيرة، رأس الخيمة)

أثار الفيديو الذي وثق لواقعة اعتداء على طالب في المرحلة التأسيسية بإحدى مدارس كلباء، مؤخراً، ردود فعل مجتمعية واسعة، ليعيد إلى الواجهة من جديد ظاهرة «التنمر» بكل ما تحمله من تداعيات وسلبيات.
وعزا تربويون الواقعة إلى ما وصفوه بـ «الإدمان الكبير» لشرائح من النشء وصغار السن على الألعاب الإلكترونية والتي يعتمد بعضها على العنف الممنهج.
في حين جدد خبراء إرشاد نفسي وطلابي التحذير من خطورة تكرار مثل هذه الحوادث «الصادمة» والتي تتنافى مع قيم وتقاليد المجتمع، بل وتتقاطع جذرياً مع التسامح الذي تربينا عليه في مجتمع الإمارات، داعين إلى ضرورة أن تركز الخطط الدراسية في مدارسنا من جديد على الأنشطة الطلابية، وما يتفرع عنها من أنشطة رياضية وموسيقية وفنية وتشكيلية، وغيرها من المناشط التي تصقل الشخصية الطلابية.
وكانت وسائل تواصل اجتماعي تناقلت فيديو لطلاب في حافلة مدرسية، تبين فيما بعد أنهم في كلباء، يعتدون على زميلهم، الأمر الذي أثار الاستياء، والتساؤلات حول دور المدرسة والأسرة.

بداية
أبلغ ولي أمر الطالب الذي تعرض للاعتداء، «الاتحاد»، بأن ابنه من «أصحاب الهمم»، وهو في حالة نفسية سيئة جداً، خصوصاً أنه أجرى عملية جراحية في عينه قبل أشهر فقط، فيما تسبب تعرضه للضرب في خطورة كبيرة على سلامة عينيه، خاصة أنه يتعرض للضرب بشكل متكرر، إضافة إلى مضايقات أخرى منذ بداية العام الدراسي.
وأكد أنه تقدم ببلاغ رسمي يوم الأربعاء الماضي على واقعة ضرب أخرى غير الموضحة بمقطع الفيديو، منوهاً بأنه لم يشاهد الفيديو المتداول، معتبره في الوقت نفسه دليلاً على الضرب المتواصل.واتهم إدارة المدرسة بالتقصير الواضح، خاصة أن الطفل أبلغها بتعرضه للضرب منذ بداية العام، لكن الإجراء الذي اتخذته لم يكن رادعاً بالشكل الكافي، منوهاً بأن إدارة المدرسة لم تبلغه بالأمر، مضيفاً: «ولدي كان خائفاً جداً، ولم يبلغنا بتعرضه لمزيد من الضرب والتهديد، بعدما اشتكى الطلبة المعتدين عليه، ومن هذا المنطلق فأنا أطالب الجهات المختصة بأخذ حق ابني لأنني وأسرته في حالة استياء شديد لما تعرض له من اعتداء في هذه السن الصغيرة».

إجراء قانوني
بالمقابل، باشرت شرطة الشارقة الإجراءات القانونية، وأكدت في بيان لها أمس، أن حرصها على مكافحة الظواهر السلبية ودرء مخاطرها، ومنها التنمر، مشيرة إلى أنها باشرت إجراءاتها باستدعاء أولياء أمور الطلبة للتحقيق في الواقعة، ومعرفة الدوافع المؤدية إلى ذلك، وذلك بالتعاون مع إدارة المدرسة والجهات التعليمية والتربوية، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه الحادثة.
وشددت على الدور الذي تلعبه الأسرة وأولياء الأمور والمعلمون وأفراد المجتمع في مقاومة التنمر، إذ يتحمل كل فرد مسؤولية اجتماعية في التصدي لأي حالة تنمر، والوقوف مع الضحية حتى إبلاغ الجهات المختصة لو لزم الأمر، داعين إلى ضرورة التنبيه لخطورة المشكلة، والعمل على مكافحتها من خلال تعزيز الجانب التكاملي بين أفراد المجتمع.

«العقوبات» تصل إلى الفصل النهائي من المدرسة
سارعت وزارة التربية والتعليم إلى دعوة الميدان والأفراد إلى عدم تداول الفيديو الصادم تفادياً لأي عواقب قانونية، مؤكدة المتابعة الحثيثة للموضوع بالتنسيق مع «مواصلات الإمارات».
وأوردت وزارة التربية والتعليم للمرة الأولى التنمّر في العام الدراسي الجاري، ضمن لائحة المخالفات الخطيرة وشديدة الخطورة التي تتضمنها لائحة السلوك المطوّرة والتي تصل الإجراءات فيها إلى الإيقاف الفوري للطالب عن الدراسة إلى حين انتهاء التحقيقات أو الفصل النهائي من المدرسة.
ولفتت الوزارة في بيان رسمي صدر عنها أمس بخصوص الواقعة: «يتم تداول مقطع فيديو مؤسف لمجموعة من الطلبة يتنمرون على زميلهم داخل الحافلة المدرسية. وإذ تؤكد وزارة التربية والتعليم أن التنمر ظاهرة دخيلة على المجتمع المدرسي، فإنها في الوقت ذاته تحاربها وتتصدى لها بمختلف الوسائل التربوية بمساندة المؤسسات المعنية للقضاء عليها وعلى تأثيراتها السلبية على العملية التعليمية برمتها».
وأضافت الوزارة في بيانها: «تخضع حالياً هذه الحادثة إلى المتابعة الحثيثة من قبل فرق العمل بوزارة التربية والتعليم بالتنسيق مع (مواصلات الإمارات) التي أبدت تعاوناً كبيراً، حيث تم فتح تحقيق واستدعاء اشخاص المعنيين للوقوف على حيثيات القضية ومعالجتها».
وأكدت الوزارة «أهمية دور أولياء الأمور المؤثر في التعاون والعمل سوياً لمجابهة أي سلوكيات غريبة تصدر من بعض الطلبة في المجتمع المدرسي حرصاً على تحقيق بيئة تعليمية إبداعية ومحفزة وملهمة وآمنة».
وأهابت بضرورة عدم تداول المقطع؛ حفاظاً على الخصوصية، وتفادياً لأي توابع وعواقب قانونية وإجراءات تصدر بحق من يعمل على نشره، كون الجهات المختصة تحظر تداوله، ويكون الفاعل تحت طائلة المسؤولية والمحاسبة.
وتصدّر التنمّر بأنواعه وأشكاله المختلفة مخالفات الدرجة الثالثة الخطيرة والتي يتم على أساسها حسم 12 درجة من علامة سلوك الطالب، وذلك في لائحة السلوك الطلابي.
وبموجب اللائحة، فعند ارتكاب الطالب إحدى تلك المخالفات يقوم مدير المدرسة أو نائبه أو ضابط السلوك بتبليغ إدارة الشؤون القانونية بالوزارة والجهات المختصة، وإبلاغ ولي الأمر والإيقاف الفوري للطالب عن الدراسة لحين اكتمال التحقيق، وذلك في مدة أقصاها يومي عمل، ويجوز استمرار الإيقاف لحين الانتهاء من التحقيق القانوني بقرار من وكيل الوزارة للشؤون الأكاديمية للتعليم العام.
وتعقد لجنة إدارة السلوك اجتماعاً فورياً لرفع الموضوع بمذكرة شارحة ومرفق معها الأدلة التي تثبت المخالفات المرتكبة إلى وكيل الوزارة للشؤون الأكاديمية للتعليم العام أو من يكلف عنه ليصدر القرار بإحالته للجهة المختصة بالتنسيق مع إدارة الشؤون القانونية.
كما أطلقت وزارة التربية خلال العام الدراسي الحالي بالتعاون مع المجلس الأعلى للأمومة والطفولة حملة الأسبوع الوطني للوقاية من التنمر بهدف رفع مستوى الوعي حول ظاهرة التنمر في جميع أنحاء الإمارات.
ولفتت الوزارة حينها إلى أن قضية مهمة مثل التنمر لا يمكن بأي حال من الأحوال استثناؤها أو إهمالها، كونها من القضايا الحساسة التي تؤثر بشكل مباشر في الظروف المحيطة بالطالب والتي قد توسع الفجوة بينه وبين مجتمعه المدرسي إذا لم يتم التعامل معها بمنهجية مدروسة، وبحث ومعالجة مسبباتها من جذورها عبر جمع البيانات حولها وتقدير حجمها في مدارس الدولة.

أولياء أمور: الجاني والمجني عليه ضحيتان
أجمع أولياء أمور على ضرورة وضع كاميرات مراقبة داخل الحافلات المدرسية، وأن يفعل بشكل أكبر دور المشرفين والمشرفات داخل الحافلات المدرسية، وأن تكثف الحملات التوعوية في الإذاعات المدرسية، وبين أسر الطلبة، وشن حملات من شأنها أن تحد من انتشار هذه الظاهرة السلبية.
وقالت موزة عبدالله السويدي، تربوية في منطقة رأس الخيمة التعليمية، إن مسألة التنمر موجودة في كل موقع في الحياة وفي كل المجالات، سواء كان التنمر لفظياً أو جسدياً أو حتى بصرياً، ولكل نوع جوانب سلبية مؤثرة، ولكن لها بالمقابل حلولاً وروادع تقضي عليها وتنهيها خاصة الجسدية التي تحدث بين فئات سنية معينة، مثل طلاب المدارس التي تواجه أغلب المدارس تكرارها وحدوثها داخل الحرم المدرسي وخارجه، على الرغم من تفعيل العديد من البرامج التوعوية داخل المدرسة، ولكن تظل المشكلة مرتبطة أيضاً بضرورة تعاون الأهالي والأسر الذين يعتبرون المكمل الأساسي والمترجم لخطط الميدان التعليمي.
وقال سيف غانم الحمودي، رب أسرة، إن ابنه البالغ من العمر 9 سنوات تعرض لأكثر من مرة لحالة تنمر من قبل زملائه الطلبة، وفي كل مرة لا يبوح لهم بذلك حتى آخر مرة اضطر لإخبارهم بوقع التنمر عليه بشكل متكرر من قبل زملائه الطلبة بالصف، وعلى الفور تم التوجه للإدارة المدرسة لمتابعة المسألة وحلها، وتم بالفعل حل المشكلة، ولكنها تكررت مرة أخرى بعد شهر، متسائلاً عن مدى وجود تأثير حقيقي من إدارات المدارس على الطلاب المتنمرين، وعن مدى فعالية القوانين الموجودة والمعممة من قبل وزارة التربية والتعليم، مطالباً كغيره من أولياء الأمور بأن تكون هناك وقفة صارمة وحقيقية ضد هذه الظاهرة التي أصبحت دخيلة على مجتمعنا.
وقالت الاختصاصية الاجتماعية منى جمعان السلمان، إن الألعاب الإلكترونية تتخللها مشاهد عنف تؤثر سلباً على الأطفال المدمنين على ألعاب الفيديو والتي تستحوذ وبشكل ملحوظ على فكر وحركات وسلوك لاعبها بطريقة كبيرة لدرجة أن هناك أطفالاً وطلاب مدارس لا يمكنهم تمالك أنفسهم من تمثيل وتجسيد الحركات الجسدية التي تعرضها تلك الألعاب والتي تخلق لديهم حالة من التنمر والتعامل بها بين أقرانهم الطلبة.
وأشارت إلى أنه لا بد من وجود وقفه قوية لدى إدارات المدارس حول مشكلة التنمر، وأن تقوم بتنظيم محاضرات توعوية ونفسية بين حين وآخر للطلاب تتركز حول مشكلة التنمر، منوهة بأن الاختصاصيين الاجتماعيين في المدارس يجب أن يتعاملوا مع هذا النوع من الظواهر بحرفية، ويبدأ بالتدريج بالتحدث بشكل عام حتى يصل لنقطته، ومن هنا يجري حوار وتفاعل مع الطالب المقصود الذي يقوم بدوره بإظهار مخاطر الظاهرة والمشاكل التي قد ترافقها، ولا يقف دور الاختصاصي النفسي عند هذا الحد، بل يقوم بالتواصل مع ولي الأمر لمتابعة بقية الخطوات لتخليص الطالب من المشكلة، مطالباً جميع عناصر المجتمع، بدءاً من الأسرة التي يقع على عاتقها دور كبير في الرقابة على الأبناء والمؤسسات التعليمية تحمل مسؤولياتها في وقف انتشار المشكلة، ويكمن دورنا هنا كتثقيف بتنظيم المحاضرات التوعوية للكشف عن مخاطر التنمر.

مشرفة الحافلة.. «الغائب الأكبر»
على الرغم من تطبيق أعلى معايير خدمات النقل المدرسي واشتراطات السلامة، ومراعاة المواصفات التقنية الحديثة من كاميرات وأجهزة تعقّب في الحافلات التي تنقل طلبة المدرسة الإماراتية من وإلى المدرسة، التابعة لمؤسسة مواصلات الإمارات، إلا أن ذلك كله لم يشكّل رادعاً لبعض الطلبة من الاعتداء على زميلهم في المدرسة، ولم تساهم التكنولوجيا المطبّقة التي يفترض أن هدفها تأمين تنقل آمن للطلبة، في تأمين الدعم اللازم للطالب المعتدى عليه في الوقت المناسب.
مشرفة الحافلة المدرسية كانت الغائب الأكبر في الفيديو الذي تمّ تداوله أمس والذي يُظهر عدداً من الطلبة يتعرضون بالضرب لزميلهم في الحافلة المدرسية، فيما يعمل طالب آخر على تصوير الواقعة من قرب، مشاركاً بالضحك والتعليق ببعض الكلمات على ما يحصل أمام كاميرا هاتفه الذكي التي التقطت بوضوح واقعة تنمّر فجة.
وأعلنت «مواصلات الإمارات» أن خدمة الإشراف في الحافلات المدرسية في المناطق الشمالية من الدولة لطلبة الحلقة الثانية هي قيد الاعتماد النهائي من قبل وزارة التربية والتعليم، علماً بأنها متوافرة لمرحلة رياض الأطفال والحلقة الأولى. ويتم توفير مشرفين ومشرفات في الحافلات المدرسية بالمدارس الحكومية، بناءً على طلب وزارة التربية والتعليم والعقود المبرمة بين الطرفين.
وتختلف خدمة مشرفات الحافلات المدرسية بين منطقة وأخرى، بحسب الاتفاق بين طرفي العقد، أي الوزارة و«مواصلات الإمارات». ففي دبي، تتوافر خدمة الإشراف لمرحلة رياض الأطفال والحلقة الأولى وجميع مدارس الإناث بجميع مراحلها. أما في أبوظبي، فتتوافر خدمة الإشراف لمرحلة رياض الأطفال والحلقة الأولى وجميع مدارس الإناث بجميع مراحلها، بالإضافة إلى الحلقة الثانية لمدارس الذكور.
وأكدت «مواصلات الإمارات» أن جميع المشاريع والمبادرات التي تطرحها تصبّ مباشرة في مجال تعزيز سلامة الطلبة خلال عمليات النقل المدرسي، لافتة إلى أن هناك اجتماعات دورية مشتركة مع وزارة التربية لمناقشة المستجدات ومعالجة كافة التحديات في النقل المدرسي، وتوجيههم بشأن السلوكيات التي تتعلق بسلامة ركوب الحافلة المدرسية والهدوء أثناء استخدامها.
وأكدت «مواصلات الإمارات» اتخاذ الإجراءات اللازمة بحق الطالب المخالف للائحة السلوك والتواصل مع ولي الأمر بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم. وتعتمد «مواصلات الإمارات» داخل حافلاتها المدرسية على نموذج سلوك الطلبة الذي يقوم بتعبئته السائق أو المشرفة إذا توافرت، ورفعها إلى إدارة المدرسة بالملاحظات التي تمّ رصدها. أما بالنسبة للمشرفين والسائقين، فإن عمليات التدريب مستمرة في التعامل مع الطلبة من مختلف الفئات العمرية داخل الحافلة، وعند توصيلهم إلى منازلهم.
وأشار طارق أحمد العبيدلي مدير العمليات في المنطقة الشمالية إلى أن مسؤولية سلامة الطلبة أثناء رحلتهم من وإلى المدرسة، لا يمكن أن تتحملها جهة واحدة في المجتمع، وإنما تتشارك فيها جميع الجهات المعنية، لتحقيق أقصى درجات الأمن والسلامة.
وأكد العمل على تطبيق كافة اشتراطات السلامة والمواصفات الحديثة في الحافلات والتي تشمل كاميرات المراقبة، ونظام تعقب سير الحافلات، الأمر الذي يتيح تحديد مكان الحافلة، والزمن المستغرق لوصول الطالب، وقياس مدى التزام السائقين بقوانين السير والمرور، والسرعة المحددة.